متوسطة الشهيد الارقط الكيلاني
لنساهم معا من أجل أنجاح هذه الفكرة التي تعيد لنا مجد مؤسستنا بين المؤسسات الاخرى ...فهي منكم و أليكم
متوسطة الشهيد الارقط الكيلاني
لنساهم معا من أجل أنجاح هذه الفكرة التي تعيد لنا مجد مؤسستنا بين المؤسسات الاخرى ...فهي منكم و أليكم
متوسطة الشهيد الارقط الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

متوسطة الشهيد الارقط الكيلاني

يهتم بالأساتذة والتلاميذ في جميع أطوارهم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الجمرة الخبيثة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
JAMEL2008

JAMEL2008


عدد المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 14/10/2009

الجمرة الخبيثة Empty
مُساهمةموضوع: الجمرة الخبيثة   الجمرة الخبيثة I_icon_minitimeالسبت أكتوبر 17, 2009 11:43 pm

الجمرة الخبيثة 1195683187ui1np1



الجمرة الخبيثة




المقدمة
" لماذا هذه السرية حول هذا المرض الجرثومى الذى يصيب عادة مزارع تربية الحيوان.. ؟" .. هكذا تساءل رئيس الوزراء البريطانى "ونستون تشرشل" ، بينما كان يفض تقريراً بتاريخ 24 فبراير عام 1944، قدمه إليه مستشاره العلمى "اللورد شيرويل"، وكتب عليه بالحبر الأحمر، وبالخط السميك (سرى للغاية) !!

إنه تقرير عن مرض الجمرة الخبيثة، والذى يصفه التقرير " بأنه من أخبث الأمراض .. فلو أن أحداً استنشق قدراً محدوداً من جراثيمه ، لداهمه الموت فى غضون ساعات أو أيام ". ويمضى التقرير قدماً إلى غايته : " ولو أن طائرة من طائراتنا رشت من جراثيمه فوق مدينة من مدن أعدائنا الألمان، فانتشرت فيها لكانت لها نتائج مذهلة فى حسم ما بيننا وبينهم من صراع .. " .

أرأيت !! فهذه الجرثومة التى تصيب فى الأساس الحيوان ، هى بالفعل الأوفر حظاً فى بحوث الحرب البيولوجية ضد الإنسان !!

التاريخ الأسود .. للجمرة :

إن التاريخ ذكر الكثير من الأمراض الوبائية . وأوبئة الجمرة الخبيثة ذكرها التاريخ. وإن صحائفه لتحتفظ فى غير موضع بحوادث مأساوية وقعت للحيوان وللإنسان معاً، بسبب هذا الداء الوبيل. ففى القرن السابع عشر، وصف التاريخ لنا وباء وقع فيه، ضرب القارة الأوروبية، وخلف وراءه ما يربو على ستين ألفاً من البشر، إلى جانب عشرات الألوف من رؤوس الحيوان، ومرة أخرى .. ضرب الوباء القارة الأوروبية فى أواسط القرن الثامن عشر، وأدى إلى نفوق نصف مليون رأس من الأغنام .

ومضى التاريخ يأتى بالوباءات التى امتدت فشملت العالم، ومنها الوباء الذى اجتاح سيبيريا فى عام 1875، والذى أطاح بمائة ألف رأس من الجياد. ومنها الوباء الذى عم القارة الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، وأطاح بحياة ما يقارب نصف رؤوس الأغنام فى فرنسا وحدها، ثم امتد الوباء إلى سائر حيوانات المزرعة من أبقار وخنازير وماعز وجياد . وباتت الثروة الحيوانية مهددة بالأفول والفناء .

ومنها الوباء الذى بدأ فى روسيا عام 1914، وتسبب فى نفوق ما لا يقل عن ثلاثة وأربعين ألفاً من رؤوس الماشية. ومنها الوباء الذى بدأ فى إيران عام 1945، وأودى بحياة مليون رأس من الأغنام. ومنها الوباء الذى ضرب زيمبابوى ما بين عام 1978 وعام 1980، والذى أدى إلى إصابة نحو عشرة آلاف من البشر، مات مائة منهم بسبب هذا المرض اللعين. ومنها الوباء الذى بدأ فى سيبيريا عام 1979 .

ولا يزال مرض الجمرة الخبيثة - إلى اليوم - مرضاً مستوطناً فى بعض البلدان الافريقية والآسيوية، وأخصها الفقيرة، التى ليس لديها برامج بيطرية تطيعمية كافية، وهو يثور ويمتد أحياناً. وهو إذ يثور يطال من بعد الثروة الحيوانية، الإنسان. ويكتشف فى العالم ما بين ألفين إلى 200ألف حالة بالجمرة ، فى كل عام .

والواقع أن الضريبة التى يفرضها مرض الجمرة الخبيثة على الإنسان والحيوان ، تكون باهظة فى كثير من الأحيان. ولقد ظل علماء بيولوجيا الكائنات الدقيقة طوال المائة والعشرين عاماً الماضية يتعلقون بفكرة مغرية ، هى محاولة استئصال شأفة هذا المرض ، واتقاء آثاره المدمرة بقدر المستطاع .

على أن هذا ليقتضى منهم بالضرورة معرفة أوسع بطبائع جرثومة الجمرة، من حيث دقائقها التركيبية وخصائصها المرضية، وما تنطوى عليه من نقاط ضعف أو مراكز قوة. إن معرفة أعمق بهذا الميكروب، يمكن أن تمكن الباحثين من الانقلاب عليه، وربما ترويضه أيضاً .

الباحثون عن مسبب الوباء :

الجمرة الخبيثة : تعرف فى لغة الطب باسم (الانثراكس) Anthrax . وهى كلمة مشتقة من اليونانية، بمعنى الفحم أو البقعة السوداء أو الدملة الخبيثة. والتسمية دقيقة، لأن الناس منذ مئات الأعوام - كانوا يرون على جلود المصابين بثرات وردية تتسع رقعتها سريعاً ويتحول قلبها إلى اللون الأسود، ثم يتساقط الجلد كرماد الفحم سواء بسواء .

لم يكن أحد يعرف شيئاً عن مسبب الداء، ولا عن الوسيلة التى يتخذها للإنتقال من حيوان إلى حيوان إلى إنسان. قالوا : إنه عفريت يركب الحيوان والإنسان، ويشعل فيه النار من داخله، فيغدو جلده متفحماً. ولكن بعض الباحثين عندما نظروا تحت عدسات المجهر، وجدوا فى دماء الأغنام المصابة أجساماً صغيرة تشبه العصى متراصة بجوار بعضها. وجدها فى ثلاثينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر، كل من : Delafond & Fucho .

وفى عام 1863 تمكن البيولوجى الفرنسى " كاسيمير - دوزيف دافين " Davaine - لأول مرة - من نقل العدوى إلى الحيوانات، بحقنها بعينة من دماء تحتوى على العصيات . على أن الباحثين ظلوا فى حيرة من ماهية هذه العصيات المجهرية الدقيقة .. وهل هى العامل المسبب للوباء ؟

بيد أنهم لم يواصلوا بحوثهم للحصول على إجابة محددة لهذا التساؤل .. وظل الأمر هكذا حتى ظهر عالم ألمانى مجهول كان يعمل فى غرفة ضيقة جداً فى برلين .. هذا الرجل هو " روبرت كوخ " Koch .. عبقرية فذة فى الفهم والصبر وبعد النظر. ففى عام 1876 كلف " كوخ " ، حينما كان يعمل طبيباً بولاية وولشتاين، ببحث وباء الجمرة الخبيثة للكشف عن مسببه، إذ كان حينذاك ذائع الانتشار فى القارة الأوروبية، حتى عرف بتحمله وزر النفوق المثير والمتتالى للآلاف من رؤوس الأغنام والماعز والخنازير والجياد . كما عرف بقدرته على إمراض المزارعين الذين يقومون على أمور تربية الحيوان .

وبدأ " كوخ " أولى تجاربه بفحص دماء أغنام نفقت لتوها بالمرض، فوجدها تزخر بالعصيات، فقام من فوره بفحصها ثم عزلها فى صورة بالغة النقاء، وعمل على تنميتها فى منابت غذائية مناسبة داخل المعمل . وعندما اكتمل نموها ، أعاد فحصها تحت عدسات المجهر ، وتيقن من أنها لا تمثل سوى طرازاً واحدا نقياً من الكائنات الدقيقة المعروفة بالبكتيريا . وبدا له أن يزداد ثقة واطمئناناً بأن هذه العصيات البكتيرية هى بذاتها المسبب للداء، فراح يأخذ منها ويحقن العديد من الأرانب السليمة، وكذا الفئران والأغنام .

ولشد ما كانت دهشته ، حينما ظهرت - بعد أيام - أعراض الجمرة الخبيثة على جميع الحيوانات، قبل أن يقضى المرض عليها بالهلاك . وإذن .. فالعصيات البكتيرية هى المسبب لهذا الداء .. هكذا قال " كوخ " .. ولكن باحثين آخرين عارضوا ما قال ، إذ لم تدل تجاربهم قط على أن ثمة علاقة بين وباء الجمرة العاصف والعصيات .

وفى عام 1881 وجه الكيميائى والبيولوجى الفرنسى " لويس باستير " Pasteur ، اهتمامه لدراسة العصيات، لاسيما بعد أن تضاربت بشأنها الآراء. وأعاد " باستير " تجربة فصل وعزل العصيات من دماء الحيوانات النافقة ، كما أجراها " كوخ " .

وفى كل مرة كان يحصل على العصيات نفسها، ثم عمد إلى تنميتها فى منابت غذائية مناسبة، وانتظر حتى نما الميكروب العصوى. وإذ ذاك بدأ فى نقل قطرة من بيئة الزرع ، إلى وعاء ثان ، يحوى البيئة المغذية نفسها .. وانتظر حتى نمت عصياتها ، ثم قام بنقل قطرة منها إلى وعاء ثالث ، ثم رابع ، فخامس …. ، إلى الوعاء الأربعين .

وحتى يزداد ثقة واطمئناناً بان العصيات النامية فى الأوعية الأربعين هى بالفعل مسبب الوباء . قام بحقن عشرة من الحيوانات المعملية بعصيات كل وعاء على حده، حتى صار لديه أربعمائة حيوان رهن التجريب . ولكم كان سروره عظيماً، حينما نفقت سائر الحيوانات متأثرة بأعراض الجمرة، بعد عدة أيام من الحقن بالعصيات. وكان هذا كشفاً من الطراز الأول ، إذ كان متقدماً على عصره ، بدرجة لم يستطع معها أحد ان يجادله .

العصيات تحت العدسات :

هكذا أسفرت المطاردة عن الإمساك بالميكروب مقبوضاً عليه فى الأوعية والأنابيب . ولكن كان لابد للباحثين من كشف خباياه . أعنى دراسة طبائعه وخصائصه التركيبية ومعرفة أسرار الأبجدية الجزيئية التى ينطوى عليها، حتى يتمكنوا من مكافحة عدوانه الأثيم .

ولعل التساؤل الذى قد يطرأ بذهنك الآن هو : هل لبكتيريا الجمرة شكل خاص يمكن به أن نتعرف عليها ؟ هذا صحيح : فهى تظهر تحت عدسات المجهر كعصيات (باسيلات Bacilli) طويلة ، ولهذا يطلق عليها البكتريولوجيون اسم " باسيليس انثراكيس " Bacillus anthracis . على أنها لا تظهر كعصيات مفردة، بل إنها تميل إلى الانتظام متراصة جنباً إلى جنب، فى شكل خيوط أو سلاسل طويلة، كما تنتظم عقل الإصبع مثلاً . وأصل ذلك يكمن فى طبيعة التكاثر .. فالخلية البكتيرية بعد أن تبلغ أقصى حجم لها وتنقسم إلى اثنتين، فإن الخلايا الوليدة تعجز عن الانفصال. وإذن تنمو على هيئة تجمعات خيطية الشكل. لقد قدر الباحثون طول بكتيريا الجمرة بنحو 8 ميكروميتر ، وعرضها بنحو ميكروميتر واحد .

وتحت عدسات المجهر، لاحظوا أن البكتيريا لا تتحرك حركة ذاتية مستقلة، بحسبانها تخلو من أسواط Flagella تتوسد عليها . وهكذا تعتمد فى انتشارها على النقل بالهواء أو بالتيارات المائية أو على حملها فى تجاويف الحيوانات التى تعولها ، أو تلك التى تحملها على ظهورها، وفى صوفها وأوبارها وأشعارها .

ولأن الباحثين لا يعتمدون كلياً على شكل الميكروب لوضعه فى مكانه الصحيح ، فقد راحوا يجرون المزيد من الاختبارات . فعرفوا أن عصيات الجمرة موجبة التلوين بصبغة جرام (Gram+) [الجرام : صبغة تقبلها بعض أنواع البكتيريا فتسمى موجبة الجرام وترفضها بعض الأنواع فتسمى سالبة الجرام] . وهذه صفة مفيدة فى حالة تمييز أنواع البكتيريا عن بعضها على وجه العموم .

وعرفوا أنها لا تستطيع العيش طويلاً بدون الهواء ، فهى تستخلص الأكسجين منه ، وتؤكسد به بعض المواد لتنطلق منها الطاقة اللازمة لإطراد الحياة على أوفق حال . ولكى يحفظ هذا الميكروب العنيد نفسه من البيئة الخارجية، فإنه يحيط جرمه بغلاف طبيعى واق يعرف بالعلبة أو الكبسولة Capsule ، كما تساهم الكبسولة أيضاً فى تماسك الخلايا مع بعضها البعض .

والواقع أن لدى بكتيريا الجمرة حيل وقدرات كثيرة للتغلب على الظروف الصعبة غير المواتية، التى قد تجبر على العيش فيها ، فلكى تبقى على قيد الحياة، فإنها قد تستخدم الأساليب التى تزاولها بعض أخواتها من البكتيرات ، وأعنى بها تكوين الأبواغ (الجراثيم الداخلية) Endospores .

وبهذه المناسبة ، فإن " كوخ " كان هو أول من لفت الأنظار إلى تلك الظاهرة. فلكى يجيب عن التساؤل : كيف تتحدى بكتيريا الجمرة الشتاء الثلجى، وتعيش فى التربة حتى تقتل الماشية وتصيب المزارعين فى الربيع التالى، عمد إلى تنمية عدة خلايا منها فى بيئة زرع مناسبة، وانتظر حتى حصل على قدر مناسب يكفى لتجاربه القاسية التالية .

فقد راح يجفف الخلايا البكتيرية، ويعرضها لحرارة عالية، ثم لبرودة فائقة، ثم قام بفحصها تحت العدسات ، وإذا به يرى الشكل العصوى المميز للبكتيريا، استحال إلى شكل كروى. إنها الجراثيم أو الأبواغ ، كما أطلق عليها " كوخ ".. ولاحظ أن الجراثيم تكون متمركزة فى وسط الخلية، وذات حجم يماثل حجم الخلية الأصلية .

ولكن .. هل ماتت البكتيريا لقاء المعاملات القاسية التى أجراها " كوخ " ، والتى كانت سبباً فى تحولها إلى أبواغ مجففة صامدة ، لا تبدى أى مظهر من مظاهر الحياة ؟ هذا ما حاول " كوخ " الإجابة عنه .. ولذا فقد عمد إلى وضع بعض من أبواغه فى بيئة زرع مناسبة، وراح يتابع ما يجرى تحت عدسات مجهره، بصبر لا ينفد .

فرك عالمنا الهمام عينيه دهشة، وهو يشهد الأبواغ الكروية الصلبة، تستحيل إلى خلايا عصوية ناشطة، لم تلبث أن استعادت قدرتها على إيذاء الأحياء .

والواقع أن جراثيم الجمرة تعد من أكثر أشكال الحياة التى نعرفها مقاومة لظروف البيئة القاسية، فهى تبدو صامدة أمام الحرارة العالية، كما تقاوم بشدة أشعة الشمس، والجفاف الطويل، لفترة تمتد إلى عشرات السنين، فهى ذات عمر وسطى مديد. وهذا ما يشكل عائقاً أمام إزالة التلوث من أى مكان أو بيئة تلوثه، إذ تجعل الجراثيم التربة التى تستقر بين حبيباتها خطرة لسنوات طويلة. كما تجعل سائر المنتجات الحيوانية التى تلوثها، كالصوف ومسحوق الدماء ومسحوق العظام، وحتى الجلود بعد دبغها مصدراً خطراً للعدوى.

على أن هذه الجراثيم، المتينة الجامدة، على ضراوتها يمكن أن تمتص الماء من الوسط المحيط ، بمجرد أن تتحسن حولها الظروف، وعندئذ تنتفخ ممزقة جدارها، وتخرج منها خلية خضرية ناشطة، تهوى غزو الأبدان فتمرضها .. أبدان الحيوان والإنسان معاً.

الجمرة فى مزرعة الحيوان :

فجأة ، مات الحيوان، دون ظهور أية أعراض مرضية مميزة واضحة عليه .. فماذا نكتب فى شهادة الموت؟ الواقع أن النفوق الفجائى للحيوان ، لمما يثير عاصفة من الشك فى أن تكون حالة حادة من الجمرة الخبيثة ، هى سبب الموت. وتبدو عندئذ جثة الحيوان منتفخة، تسيل من فتحاتها الطبيعية (كالأنف والأذن ..) دماء سوداء لا تتخثر .

ولكن فى الإصابات الأقل حدة ، تظهر على الحيوان مثل هذه الأعراض : فهو يبطئ كثيراً فى سيره، وتقل حركته، وتخور قواه، ويسير منكس الرأس، مرتعد الأوصال ، تجتاحه حمى شديدة، وشيئاً فشيئاً تضيق لديه الأنفاس. وقد تظهر فى منطقة الزور، وفى الجزء السفلى من العنق تقيحات، كما يحدث تضخم فى غدده الليمفاوية، ويشتد عليه الإسهال. وفى الحيوانات العشار يحدث عادة إجهاض، كما يقل إدرار الحليب لدى الحيوان الذى يرضع الصغار، ويميل لون الحليب الناتج إلى الصفرة أو يكون دموياً. والحق أن الحيوانات الثديية ذوات الدم الحار، لاسيما الماعز والأغنام والبقر والجياد والجمال، يمكن أن تصاب بهذا الداء الوبيل .

ومن المثير.. أن عدوى الجمرة قد تنتقل من حيوان مصاب إلى آخر سليم، من خلال لدغ الحشرات الماصة للدماء. على أن الشائع أن تنتقل العدوى إلى الحيوان عن طريق الفم، إذا غذى بعليقة تحتوى على مسحوق عظم ملوث بالأبواغ ، وإذا أكل عشباً نامياً فى تربة ملوثة، كانت مدفناً لما نفق بالجمرة من الحيوان .

وهاهنا قد يذكرنا واحد من أصحاب العقول الناقدة ، بتجربة مثيرة أجراها " باستير " على عدد من خرافه .. فقد عمد لإطعامها بعشب لوثه صناعياً بالميكروب، وانتظر أياماً لظهور المرض ، ولكن الخراف - يا للعجب - لم تصب بأى سوء. ولكن حين أضاف إلى عليقتها قليلاً من عشب ذى أشواك، من شأنه خدش الألسنة وإدماء الأفواه، سقطت الخراف جميعاً فريسة الجمرة القاتلة .

إن هذه التجربة تلفت النظر إلى أن العدوى يتيسر حدوثها بالفم، كلما تيسر للميكروب الوصول إلى الدم، عبر خدوش الألسنة أو جروح الأفواه، وفى الدم، يضاعف الميكروب من نفسه، ويزيد من وتيرة نشاطه التخريبى وعمله، على نحو يدفع إلى ظهور أعراض التسمم الدموى على الأبدان ، والتى تفضى إلى موت الحيوان .

ويستطيع الباحث البكتريولوجى التثبت من وجود الميكروب ، بعمل اختبار بكتريولوجى من الوريد الأذنى للحيوان، حيث يأخذ مسحات دموية على شرائح زجاجية، ثم يقوم بصبغها بصبغة جرام Gram, s stain ، والبحث عن عصيات الجمرة تحت عدسات مجهره .

كذلك يستطيع الباحث التثبت من وجود الداء فى الحيوان أو فى منتجاته، بإجراء تحليل سيرولوجى (مناعى) ، للكشف عن الأجسام المناعية المضادة للميكروب. وهذا يستوجب إجراء غليان لعينة صغيرة من نسيج الحيوان، ثم إضافة قليل من المصل المناعى للجمرة Anthrax immune serum ، إلى المستخلص الصافى الناتج عن الغليان، ثم الانتظار قليلاً. فإذا حدث ترسيب خلال 15 دقيقة، دل ذلك على إصابة النسيج، ومن ثم إصابة الحيوان .

من الحيوان إلى الإنسان :

الواقع أن مرض الجمرة الخبيثة يعد واحداً من الأمراض المشتركة المهمة بين الإنسان والحيوان . وهو من الأمراض المهنية التى تصيب الإنسان. ولأجل ذلك يتعرض لهجمته الكثيرون ممن تقتضى طبيعة عملهم مخالطة الحيوان، وكذلك ممن يتعاملون مع إفرازاته أو منتجاته كالصوف والشعر والجلد والعظام .

وعلى هذا النحو .. فإن الجمرة تصيب المزارعين ومربى الحيوانات، كما يمكن أن تبلغ العاملين فى السلخانات، والجزارين فى المحلات. ولعلها تطال أيضاً من يعملون فى صناعة الصوف، وصناعة دبغ الجلود، والذين يعملون بصناعة الأحذية وفرش الحلاقة وفرش الشعر ونحوها. وقد ينتقل المرض إلى العاملين بصناعة السجاد والفراء والبطانيات الصوفية، وإلى العاملين فى صناعة المخصبات العضوية، التى تقوم على روث ومخلفات الحيوان . وقد تصل جرثومة المرض - عبر الذبائح المصابة- إلى العاملين بصناعة حفظ اللحوم ، ولا ينجو من شرورها الأطباء البيطريون ومساعدوهم، بحسبانهم أوثق صلة بصحة الحيوان. ونضيف إليهم، العاملين فى مختبرات التحاليل الباثولوجية والبكتريولوجية الذين يقتضى عملهم زرع الميكروب فى الأطباق والأنابيب. أيمكن أن يكون الأمر حقاً بهذا السوء؟

كلا .. لحسن الحظ ، فلابد من توافر آليات مناسبة للعدوى حتى ينتشر الداء. ولكن، إذا وجدت الآليات، فإن الغزو الميكروبى سينطوى على خطر كبير

وسائط الانتقال إلى الأبدان :

يمكن القول أن بكتيريا الجمرة تلعب مع الإنسان مباراة غير عادلة .. فلهذه البكتيريا حيل كثيرة تحتال بها للدخول إلى الأبدان . فهى قد تدخل عبر الأنف، أثناء الاستنشاق، محمولة على الأتربة، لاسيما أتربة صوف وشعر الحيوان المصاب، وأتربة الجلود الجافة والروث الجاف . وقد تدخل عن طريق الفم ، إلى القناة الهضمية، فى ماء الشرب الملوث أو فى الطعام . وقد تحدث العدوى عن طريق التلامس الجلدى المباشر والمستمر مع حيوانات مصابة، أو مع إفرازاتها أو منتجاتها مثل الشعر والصوف ، أو مع التربة الملوثة بجراثيم الميكروب. بل إن العدوى يمكن أن تحدث لدى استخدام فرشاة حلاقة مصنوعة من شعر حيوان مصاب .

على أن العدوى الجلدية تقتضى وجود جروح مكشوفة أو خدوش. وفى كل الأحوال، فإن نقل العدوى من إنسان إلى إنسان، نادر الحدوث، إذ لابد من تلامس مباشر لموضع الإصابة، أو حدوث تداول ردىء للغيارات الملوثة بالميكروب.

العدوى .. صنوف وأنواع :

عدوى الجمرة صنوف متعددة، من حيث مهنة المصاب، ومن حيث موضع الإصابة، ومن حيث درجتها أيضاً. والواقع أن الباحثين يصنفون عدوى الجمرة وفقاً لمهنة المصاب إلى صنفين، عدوى من النوع الزراعى ، وأخرى من النوع الصناعى. والصنف الأول، هو الذى ينتشر عادة بين المزارعين والجزارين والأطباء البيطريين والباثولوجيين ، وهم الذين يلامسون الحيوان المصاب، وتحدث لديهم العدوى فى الجلد ، فى شكل بثرات .

ويشيع الصنف الصناعى، بين العاملين فى الورش والمصانع التى تقوم على إعداد وتجهيز وتصنيع منتجات الحيوان. وتتباين شدة العدوى ، حسب نوع الصناعة ، ومدى كفاءة المعالجات المبدئية التى تجرى على المنتجات . وتظهر العدوى -هاهنا - إما فى شكل بثرات خبيثة على الجلد ، أو فى صورة التهابات فى الرئات .

ويصنف الباحثون العدوى من حيث الكم، إلى عدوى شديدة حادة ، وأخرى هينة محدودة التأثير. كما يصنفونها، وفقاً لموضع الإصابة فى جسم الإنسان، إلى ثلاثة أشكال : الرئوى، والجلدى، والمعوى. وهذا التصنيف الأخير هو الذى يدخل بنا إلى الأعضاء المريضة، فى كلمة نقولها قصيرة .

جمرة الصوافين رئوية :

لقد تملكتنى الدهشة إزاء هذا الإحصاء : "إن استنشاق جزء من المليون من الجرام من جراثيم الجمرة - نحو خمسين ألف جرثومة - يكون كافياً لأن يصاب المرء بمرض الجمرة الخبيثة الرئوية Pumondry anthrax . وبتعبير أفصح ، فإنه يكفى استنشاق عدة آلاف قليلة من الجراثيم (هو ما يغطى مساحة أصغر من النقطة التى فى نهاية هذه الجملة)؛ لأن تصاب الرئتان بمرض مهلك قتال.

ولعلنا نشير إلى أن حجم جرثومة الجمرة يبدو ضئيلا للغاية على نحو يجعله هو الحجم الأمثل الذى يناسب الاستنشاق، ومن ثم الولوج إلى داخل حويصلات الرئات [يتراوح نصف قطر الجرثومة من واحد إلى خمسة ميكرنات (جزء من ألف من المليمتر)].

والواقع أن النوع الرئوى، لهو بحق أشد أنوع الجمرة فتكا، وأكثرها خطورة على الإطلاق، إذ تصل نسبة الوفاة إلى 100%، إذا لم يعالج بمضادات الحيوية فى غضون ساعات. ومن المحتمل جداً أن يداهم المصاب الموت فى بحر أسبوع على اكثر .

ومما يستطاب ذكره، أن الجمرة الرئوية، تعرف لدى العامة بمرض فرازى الصوف Wool – sorters disease ، أو مرض ندا فى الصوف، لأنه يلاحق فى الأساس العاملين الذين يفرزون الصوف. وتحدث الإصابة، حينما يستنشق العامل غبار الصوف أو أتربته الملوثة بالجراثيم. وإذ تصل الجرثومة إلى الرئتين، وتبدأ تتنبه، وتتكاثر سريعاً.

ولعلها تنمو فى الغدد الليمفاوية المنصفية Mediastinal L.Glands فتسبب نخرها، ثم تنطلق منها لتصيب الأنسجة المجاورة، وتصيب البلورا والرئتين، ويظهر إفراز مصلى صديدى Serosanguinous ، وارتشاح فى الرئة Pulmonary oedema . وتظهر الأعراض لأول مرة بعد يوم من الاستنشاق، وقد يتم تشخيصها خطأ بأنها انفلونزا وبرد عام، ولكن هذه الأعراض الأولية، لاتلبث أن تتبعها كحة حادة يصحبها دم فى البصاق، وحمى شديدة (39- 40م°)، وصعوبة فى إطلاق الأنفاس، وزرقة Cuanosis ، وصدمة Shock، وإغماء Coma ، ثم اختناق قاتل مميت .

فإن قيض الله للمصاب من يسعفه فى أول الأمر، وقبل أن يبلغ الميكروب تيار الدم ، بأن أعطاه مضادات الحيوية المناسبة ،خرج من ازمته بسلام. أما إذا كان الميكروب نجح فى النفاذ إلى الدم، وإلى الدماغ، فإن العلاج يكون عسيرآ، وتكون الوفاة قاب قوسين أو أدنى. وتدعى هذه الحالة"بالجمرة السحائية" Meningeal anthrax . وهى تتميز بوجود دم منتن من السائل المخ شوكى. ويستطيع الباحث البكتريولوجى العثور فى هذا السائل على الكثير من بكتريا الجمرة.

جمرة الجزارين جلدية :

الجمرة الجلدية Cutaneorus anthrax ، أو الأوديما الخبيثة هى أكثر الأنواع انتشاراً وذيوعاً، فهى تمثل نحو 95% من جملة الإصابات الحادثة.

ولكنها هى الأقل خطورة، إذ تتراوح نسبة الوفاة بها ما بين 5-20%، حينما لا يكون علاج، أما فى وجود العلاج المناسب بمضادات الحيوية، فإن حالات الوفاة تقل كثيراً، بحيث لا تكاد تذكر. وحتى يتسنى الإصابة بهذا الداء، فإنه لابد من حدوث تلامس واحتكاك بحيوان مصاب، أو بإفرازاته ومنتجاته الملوثة بالميكروب على أن يكون ذلك قريباً من جرح أو خدش فى الجلد، هنا أو هناك .

ويشيع هذا النوع لدى الجزارين والعاملين فى دباغة الجلود، ومربى الحيوان، والعاملين فى السلخانات وفى صناعة اللحوم، وفى المختبرات الباثولوجية، كما قد يظهر بين الأطباء البيطريين. وقد يظهر أيضاً فى وجوه من يستعملون فرشة حلاقة مصنوعة من شعر حيوان نافق بالجمرة .

وبداية ظهور علامات الإصابة، أشبه ما تكون بلدغة البعوض، حيث تبدو على هيئة بقعة حمراء ملتهبة .. تبدأ بعد ساعات أو أيام من انتقال العدوى إلى المريض. وعلى الفور يتطور الالتهاب إلى فقاعة تحتضن سائلاً من صديد Pustule ، لا تلبث أن تنفجر من تلقاء نفسها ، لتخلف بعد أن تجف غلافاً فاحماً، تحيط به فقاقيع مائية وصديدية صغيرة blebs ، على مساحات حمراء ملتهبة ومنتفخة .

وتعزى تسمية المرض ب " الأوديما الخبيثة " إلى وجود هذه المساحة المتورمة [الأوديما هى تجمع سوائل تحت الجلد]. ويصاحب ذلك السيناريو، حدوث التهاب فى الغدد الليمفاوية القريبة من الإصابة، وحمى شديدة، وتوعك عام، وتقيؤ، وصداع، وآلام فى العضلات وغثيان .

وينجح العلاج بمضادات الحيوية، قبل أن يصل الميكروب إلى الدماء .. أما إذا تأخر العلاج، وكان الميكروب نفذ إلى الدم والدماغ ، فإن العلاج يكون عسيراً، وتوصف الحالة عندئذ بالجمرة السحائية، وهى تؤدى غالباً إلى الوفاة .

جمرة الآكلين معوية :

قد يدخل ميكروب الجمرة إلى القناة الهضمية للإنسان عن طريق الفم، فى ماء الشرب، أو فى الحليب، أو فى اللحم، أو سوى ذلك من طعام، والذى يحمله إلى ماء الشرب تلويثه، ويأتى أصلاً من إفرازات حيوان مصاب. والذى يحمله إلى الحليب تلويثه، ويأتى أصلاً من بثرة خبيثة بأصابع الحلاب. والذى يدعه فى اللحم، إنما هو الطهو الهين،
والطهو السريع. وإذ يتكاثر الميكروب فى الأمعاء، تبدأ تظهر أعراض الجمرة المعوية
anthrax Gastro intestinal ، بعد يومين إلى خمسة أيام من أخذ الطعام الموبوء. ومن السمات المميزة لهذا الداء ، ظهور قرح والتهابات شديدة فى الأمعاء Enteritis ، ينتج عنها نزيف داخلى حاد ، كما يقترن بحدوث احتقان بالأحشاء، لاسيما بالطحال، ويصحبه عادة التهاب بأغشية الفم وتورمات فى الوجه والزور واللسان .

على أن الأعراض تبدأ غالباً بحمى شديدة (39 -40 °م) ورعشة وهذيان، مع تقيؤ يعقبه آلام تقبض وتقلص فى عضلات البطن. ويشكو المريض مر الشكاوى من إسهال مدمم ورغاوى بالفم مدممة أيضاً، كما يحس بإعياء ثم تجتاحه صدمة، تسلمه إلى الوفاة .

ومرة أخرى.. يبقى العلاج بمضادات الحيوية هو حائط السد الأساسى، فإن عز العلاج، أصبح الموت هو النهاية المحتومة، فى نحو 25-60% من الحالات. ولا ننسى أن الجمرة السحائية القاتلة، وصفت فى حالات الجمرة المعوية المتأخرة، وهى التى تنتج عن وصول الميكروب إلى الدم والدماغ .

الوقاية فى مزرعة الحيوان :

بعدما ذكرنا من أمر داء الجمرة، ومن أصوله، وسبل انتقاله، تصبح واضحة سبل توقيه .. فالوقاية دوماً هى الخيار الأفضل .. هكذا يقول المعنيون بشئون الصحة .. صحة الحيوان، وصحة الإنسان على حد سواء. وتحتاج الوقاية إلى توعية المزارعين ومربى الحيوانات، وتعلمهم وتثقفهم، وتحتاج إلى تفهمهم الصحيح لكل حلقات السلسلة الجهنمية التى من خلالها ينفذ الميكروب إلى الأبدان ومن بعد ذلك، ينبغى حثهم على العناية بأصول النظافة الشخصية، وترهيبهم من إهمال الجروح الجلدية على وجه الخصوص. وهذا يقتضى لبس القفازات المطاطية عند لمس الحيوان، أو لدى التعامل مع إفرازاته الملوثة. ولابد من تنظيف الأيدى على نحو كفءء ، بعد الفراغ من أداء الأعمال. وفى الوقت نفسه، يمكن صيانة العاملين وحيواناتهم المعرضة للإصابة ، أو المحتمل تعرضها للإصابة بالمرض، بإعطاء اللقاحات المناسبة .

إن " لقاح باستير "، وهو لقاح حى وضعيف ، يناسب وقاية الحيوان، ولكن لا يلائم الإنسان. أما لقاح " بالتوكسويد "، فهو اللقاح الآدمى الذى يعطى للمربين. واللقاح يعطى عادة بالحقن العضلى على ثلاث جرعات بين كل جرعة ثلاثة أسابيع، ثم جرعة رابعة بعد ستة أشهر، ثم جرعة منشطة كل عام .

ولأن من الصعب القطع دوماً بسلامة قطيع الحيوان، فقد تظهر بعض حالات الإصابة .. وهنا يتوجب عزل الحيوان المصاب عن السليم، على أن تودع الحيوانات السليمة فى الحجر البيطرى لمدة أسبوعين من ظهور آخر حالة عليلة. ولابد من الإسراع فى معالجة الحيوانات المشكوك فى سلامتها ، بإعطائها مضادات الحيوية ، لاسيما البنسلين ، والسيبروفلوكساسين Ciprofloxacin ، ثم إجراء عمليات التحصين باللقاح بعد تمام الشفاء .

أما إذا نفق بالمرض أحد الحيوانات، فقد وجب الحذر والاحتياط. فالحيوانات النافقة تعد بحق مخزناً للميكروبات. وإذن، فقد وجب التحذير من تشريح جثتها أو شقها، ولا حتى إدماؤها أبداً .

ومن البديهى، أن يمنع بيع جلودها، أو الانتفاع بشىء منها ، كأن تجفف وتطحن ويتخذ طحينها كمكملات غذائية للأعلاف مثلاً . ففى ذلك خطر ، وأى خطر .ولكن لابد من دفنها على الفور كاملة ، وفق شروط خاصة مشددة . فلا يصح أن تدفن بأرض تنمو بها الحشائش والأعشاب التى ترعى فيها الحيوانات .. فقد أثبتت تجارب الباحثين أن جثث الحيوانات المدفونة تتحلل فى التربة مع الأيام، وتنساب منها ميكروبات الجمرة، التى تستطيع العيش بين حبيبات الثرى لفترات طوال .

وكذلك، فإن جحافل الديدان الأرضية، يمكنها القيام بنقل هذه الميكروبات ، أثناء حركتها الدائبة إلى الطبقات العليا من التربة. وهكذا تتلوث الأعشاب النامية بالميكروب ، ومن ثم يجد سبيله إلى أبدان الحيوانات الراعية عليها ويمرضها. فما الذى يفعل بجثة الحيوان النافق إذن ؟ ينبغى الذهاب بعيداً فى منطقة نائية عن مرعى الحيوان . وهناك تضرم فى الجثة النيران، أو توسد فى حفرة عميقة لا يقل عمقها عن مترين ، ويهال عليها الكثير من الحجر الجيرى الحى. إن هذا الإجراء ضرورى ومهم، ولعله يوفر قدراً أكبر من الأمان .

سبل وقاية الصانعين :

تبدو إجراءات الوقاية فى المصانع والورش الخاصة بتصنيع جلود الحيوان وصوفه وشعره وعظامه، أشد تعقيداً من ذلك بكثير. وقبل أى إجراء، لابد من تزويد العاملين بمعلومات صحيحة عن المرض ، وعن قواعد النظافة الشخصية التى يلزم التحلى بها .

وكذلك ينبغى الاهتمام بإجراء فحوصات طبية للعاملين ، حتى يمكن الكشف عن المرض، وهو لايزال فى مهده، وتقتضى أصول التوقى من المرض فى أماكن إعداد وتصنيع الجلود والشعر والصوف، عزل العمليات الصناعية التى تنتج الغبار والأتربة الملوثة بالجراثيم ، عن باقى العمليات. والتنبيه على العاملين بإتخاذ الوسائل المناسبة للحماية من التعرض لهذه الأتربة بالاستنشاق . ولابد - كذلك – من العمل على إخماد الأتربة العالقة فى الأجواء بترطيب بيئة العمل، أو شفط الهواء الملبد بالأتربة والغبار . وتعد التهوية الجيدة من أعمدة السلامة فى مدابغ وورش التصنيع ، كما لا تقل أهمية عمليات التبخير والتطهير بالفورمالدهيد. والفورمالدهيد ليس لتطهير بيئة العمل فحسب ، بل لتطهير منتجات الحيوان أيضاً .. فهى تودع أولاً فى الأوتوكلاف، ثم تعرض لغاز الفورمالدهيد الدافئ بتركيز 60% .

ولسوف نعود ثانية إلى سلامة العاملين ، وهى التى تقتضى عزل من يشتبه بإصابته بالميكروب، ثم عمل مزرعة بكتريولوجية فى عينات من دمه، أو من إفرازات جلده، أو من أمعائه، أو رئتيه. وللمزيد من التأكيد، تجرى لهم التحاليل المناعية، للبحث عن الأجسام المناعية المضادة للميكروب. ولاريب أن الكشف المبكر عن هذا المرض ، لمما يهيئ الفرصة للعلاج السريع. ومن بعده يتوجب إجراء التحصين .

جمرة الحيوان ورعب الإنسان :

لفترة طويلة كان شبح خسارة كبيرة فى حيوان المزرعة من جراء الإصابة بميكروب الجمرة ، أسوأ سيناريو يدور فى الأذهان. لكن فى السنوات الأخيرة، تحرك هذا التهديد بقوة إلى الإنسان ، لاسيما بعد التقدم الهائل فى علم البيولوجيا الجزيئية ، الذى جعل هندسة ممرض فائق " Superathogen "، أمراً أكثر سهولة، كما جعل هندسة جرثومة الجمرة من أجل مزيد من الإماتة ، أمراً ممكناً ومتاحاً إلى حد كبير . وبإيجاز شديد ، فإن هذه الجرثومة غدت أكثر قدرة على إثارة الرعب ، ومن ثم أوفر حظاً لدى الباحثين عن سلاح بيولوجى مميت ، للحرب ، وللإرهاب أيضاً .

سـلاح بيولوجـى للحـرب :

لعل أخبث أسلحة الحرب الشاملة ، هى الأسلحة البيولوجية. ويبدو سلاح الجمرة الخبيثة، وكأنما هو أخبث أسلحة الحرب البيولوجية جميعها. ولكن لا يعرف على وجه اليقين متى بدأ استخدم هذا السلاح. ثمة مصادر أمريكية أدعت فى وقت سابق، أن الألمان عمدوا إلى تلقيح الماشية والأغنام بلقاح الجمرة فى عام 1916 على جبهة بوخارست، أثناء الحرب العالمية الأولى ، تأهباً لإطلاق هذا السلاح . ثم أعادوا الكرة على الجبهة الفرنسية ، فى عام 1917 .

على أن تقارير لجنة عصبة الأمم الصادرة فى عام 1924 ، نفت استخدم سلاح الجمرة فى الحرب العالمية الأولى. وفى أثناء الحرب العالمية الثانية ، كثف الخبراء الإنجليز، من جهودهم ، بغية انتاج قنابل الجمرة الخبيثة. وكانت جزيرة جروينارد Gruinard (قرب شاطئ أسكتلندا) هى مسرح تجاربهم المفتوح. ولقد تسبب القلق من قرب هذه الجزيرة من البر الرئيسى للبلاد ، فى تحول مسرح التجارب ، فى عام 1943 إلى منطقة " صافيلد " وسط البرارى المفتوحة فى ألبيرتا – كندا .

وفى الولايات المتحدة ، بدأ برنامج الحرب البيولوجية الخاص بالجمرة الخبيثة فى عام 1942 . ومنذ عام 1943 اتخذ البرنامج موقعاً له أساسياً فى فورت ديتريك
Fort Detrick بولاية ماريلاند . وفى أواخر عام 1943 ، بدأ العمل الجدى لإنتاج قنابل الجمرة، زنة 500 رطل. وتحمل كل قنبلة 106 قنيبلات Bomblets زنة كل منها أربعة أرطال، وهى مهيأة ’ للتحطيم عند الارتطام، ونشر ما تنطوى عليه من جراثيم. وبحلول عام 1944، كانت هناك عدة آلاف من قنابل الجمرة على أهبة الاستعداد للانطلاق. ولكن لم يتسنى إطلاق أى منها فى الحرب، بسبب إحجام الألمان عن إطلاق ما لديهم من أسلحة تدمير شامل. وكذلك لأن الولايات المتحدة رغبت فى حسم الحرب ، بإطلاق قنابلها الذرية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين وظلت، من ثم قنابل الجمرة، تنتظر ..!!.

وفى عام 1979 ، كشف النقاب عن قدرة الاتحاد السوفييتى – السابق - على إنتاج وتخزين عشرات الأطنان من أسلحة الجمرة، ظلت لسنين طويلة، طى الكتمان .

وذكرت مصادر سماها مكتب التقييم التكنولوجى ، فى جلسات لجان مجلس الشيوخ الأمريكى عام 1995، أن هناك سبع عشرة دولة تعنى بتطوير أسلحة بيولوجية (لاسيما أسلحة الجمرة الخبيثة)، وهى : الصين ، وروسيا ، والهند ، وكوريا الجنوبية ، وكوريا الشمالية ، وتايوان ، وكوبا ، وجنوب أفريقيا ، وفيتنام ، ولاوس ، وبلغاريا ، وإسرائيل ، وإيران ، والعراق ، وليبيا ، وسوريا ، ومصر .

سلاح للإرهاب أيضاً :

لعل الكثيرين منا يذكرون الجماعة اليابانية المتطرفة المعروفة باسم "الحقيقة الأسمى" Supreme Truth ، وهى الجماعة التى ألقى بعض أعضائها، فى إحدى محطات قطار الأنفاق بمدينة طوكيو، مركب الأعصاب السام " السارين " Sarin ، فى عام 1995، فقتل من جراء ذلك اثنا عشر شخصاً، وأصيب نحو 5500 آخرين .

لقد أثبتت التحقيقات التى أجريت - فيما بعد - أن هذه الجماعة، قد امتلكت وطورت جراثيم الجمرة ، وأنها حاولت رشها فوق مدينة طوكيو أربع مرات، خلال الأعوام 1990 إلى 1995 .

على أن أكثر أحداث الإرهاب البيولوجى بالجمرة إثارة ، كانت هى التى وقعت مؤخراً فى الولايات المتحدة. ففى الخامس من أكتوبر 2001، أعلن عن وفاة مصور صحفى، بعد أن ثبتت إصابته بالميكروب، ثم أعلن عن وفاة اثنين آخرين من الصحفيين، ثم وفاة سيدة رابعة فى نيويورك فى 31 أكتوبر. ولم تمض سوى أيام ، حتى كانت جرثومة الجمرة تشق طريقها بثقة عبر ولايات فلوريدا ، ونيفادا، ونيويورك، وغيرها، وتصيب بلعنتها عشرات الأمريكيين. وغيرهم عشرات الملايين ممن تولاهم الرعب والفزع من غد مجهول. وهو الرعب الذى لازمهم كلما فتحوا مظروفاً أو رأوا مسحوقاً أبيض، أو شاهدوا سائلاً يرون أنه مشتبه .

ووسط حالة الرعب التى اجتاحت الجميع، أصبحت مكاتب وغرف البريد فى سائر أنحاء الولايات ، وكأنما هى حقول ألغام، تستوجب من سلطات الأمن، نشر كلابها المدربة، بحثاً عن رسائل الجمرة المفخخة، المندسة هنا أو هناك . وأصبح من المشاهد المألوفة، لدى الأمريكيين ، مشاهدة أشخاص يرتدون أقنعة واقية، وهم يقومون بتطهير أو فحص مكان يشتبه فى احتوائه على الجراثيم . وأصبح مجرد ارتياد المواصلات العامة، من قطار، ومترو، وطائرات، مغامرة ما بعدها مغامرة ، تخوفاً من التعرض لهجوم جرثومى وشيك.

ووسط موجات الرعب الجارف، بدأت أصابع الاتهام تتجه شيئاً فشيئاً إلى داخل الولايات المتحدة نفسها، لا سيما بعد أن أذيعت تقارير أمريكية تقول بصراحة أن مسحوق بكتيريا الجمرة، إنما هو صناعة أمريكية ، وأن ثمة متطرفين يمينيين أمريكيين يقفون وراء رسائل الجمرة المفخخة .

ولم يقتصر شبح ميكروب الجمرة على حدود الولايات المتحدة، بل امتد الرعب إلى دول كثيرة بدأت فى تطبيق إجراءات أمنية مشددة ، تحسباً لأى خطر بيولوجى وشيك . ومع تزايد وتيرة الخوف ، بدأ الكثيرون لا يتساءلون فقط عما ينبغى عليهم فعله حال التعرض لهجوم إرهابى بهذه الجراثيم ، ولكن أيضاً لماذا اختيرت الجمرة _ تحديداً _ للقيام بهذا الدور الدنئ ؟

بساطة الإنماء والإكثار :

تبدى بعض الدول وبعض المنظمات الإرهابية على حد سواء ، اهتماماً متزايداً بجرثومة الجمرة ، كأحد الخيارات المفضلة فى أى هجوم بيولوجى منتظر . وهذا مما يدفع إلى التساؤل : لم هذه الجرثومة على وجه التحديد ، وأين تكمن قوة الإغراء فيها ، وما هو السر فى الغواية بها ؟ يعتقد البكتريولوجيون أن المعرفة الواسعة فى التخمير Fermentation ، جعلت أمر إنماء وإكثار هذه الجرثومة أسهل من أى وقت مضى على أى جماعة إرهابية تريد إنتاج كميات كبيرة منها .

وخلافاً لعوامل التهديد النووية والكيميائية ، فإن سلاح الجمرة يمكن تصنيعه من مواد وأدوات متوفرة بسهولة . فالجرثومة واسعة الانتشار فى العالم ، ومن ثم يمكن فصلها وعزلها من الطبيعة ، كما يمكن طلبها من شركات التجهيزات الميكروبيولوجية المتخصصة بأسعار زهيدة. إن هناك ما يربو على خمسمائة مستودع ميكروبى، تنتشر فى سائر بقاع الأرض، وهى تبيع المزارع الميكروبية للمعامل والشركات التى تقوم على إعداد اللقاحات والأمصال، ولكل من يتقدم اليها بطلب للشراء .

خذ على سبيل المثال، شركة الاستنبات الأمريكية، التى تقوم على توفير "شتل " البكتريا لكل طالب، ولو عن طريق البريد . بل أن الشركة نفسها تقوم بتزويد الطالب بمواد استنبات خاصة لدعم تكاثر الميكروب. ناهيك بالطبع، عن إمكان إكثاره على مواد استنباط عادية، لا يصعب إعدادها على المتخصصين . والحق أن ثمة قناعة راسخة لدى البكتريولوجيين بإمكان إقامة منشأة بيولوجية كبيرة لإنتاج ميكروب الجمرة ، بتجهيزات لا يزيد ثمنها على عشرة آلاف دولار ، وفى غرفة لا تتعدى أبعادها 15×15 قدماً .

وعلى عكس العوامل الفيروسية، والتى تقتضى توافر أجهزة انتاج معقدة ، فمن الميسور إنتاج جراثيم الجمرة، فى أى مصنع للمواد البيولوجية ، أو حتى مختبرات صغيرة للغاية. ومن السهولة بمكان احاطتها بالسرية التامة المطلوبة ، فهى لا تشغل حيزاً يذكر. ومن الممكن إنتاجها فى معامل تحت ستار أنها معامل أبحاث طبية أو معامل بيولوجية أو ما شابه ذلك .

وبالإمكان أيضاً تنمية وتكثير تريليونات من هذا الميكروب ، من دون أى خطر على القائمين على هذا العمل، وباستخدام تجهيزات لاتزيد على جهاز تخمير ، يشبه جهاز تخمير البيرة، وبيئة استنبات بروتينية وقناع واق ولباس خارجى من البلاستيك. على أن المفاجأة تكمن فى إمكان انتاج سلاح الجمرة فى المنازل … فالأغذية العادية بما تحويه من أحماض أمبنية ومغذيات تصلح لإستنبات الجراثيم وتنميتها . ولكن ينبغى أولاً تعقيم بيئة الزرع المنزلية (تلك) فى جهاز تعقيم (أوتوكلاف)، لتطهيرها من البكتيرات الأخرى التى قد تكون برفقة بكتريا الجمرة .

وتدفع ظروف النمو المناسبة البكتريا إلى الانقسام كل 20 دقيقة، فتتحول الخلية الواحدة إلى بلايين الخلايا، خلال عشر ساعات. كما تستطيع كمية قليلة منها انتاج ترسانة جرثومية رهيبة، خلال بضعة أيام .

ما أيسر الانتشار :

يعتقد بعض الأكاديميين أن المعرفة الواسعة والمتقدمة فى تكنولوجيا النشر Dispersion technology ، جعلت أمر نشر جراثيم الجمرة أسهل من أى وقت مضى. فالحق أن بالإمكان استخدام الجراثيم فى صورة مساحيق أو سوائل . ومثل هذه المرونة فى الاستخدام، تتيح امكانية أكبر للنشر والإطلاق .

إن ثمة طرقاَ كثيرة للنشر والإطلاق ، تعتمد على بث ونثر سحب الجراثيم فوق المناطق المستهدفة، أو مع الريح المتجه نحوها .. فمن الممكن _ مثلا – نشر الجراثيم مباشرة من قاذفات قنابل تطير على ارتفاع منخفض ، بطول خط يبلغ مئات الكيلومترات عمودياَ على ممر الريح .

ومن الممكن استخدم طائرات خفيفة ، تطير على ارتفاع منخفض، وتسقط العشرات من القنيبلات، التى تحوى كل منها عدة كيلو جرامات من مسحوق البكتريا الجاف، فى خط طوله عدة كيلو مترات، عمودياً على ممر الريح. وتطلق القنيبلات الجراثيم فى صورة أيروسول، لايزال ينتشر فى الهواء، حتى يغطى المنطقة المستهدفة. ومن الممكن رش مسحوق من الجراثيم مباشرة بواسطة طائرات الرش، على هيئة رذاذ يظل عالقاََ بالجو، حتى يستنشقه أكبر عدد من الضحايا .

ويستطيع زورق صيد لا يثير أية شبهات ، أن يذرع شواطئ مدينة ساحلية، أو يدور حول جزيرة مأهولة بالسكان، ويرش جراثيم الجمرة من بخاخات لا تلفت الانتباه، ليحدث آلاف الإصابات فى زمن قليل، وبكلفة محدودة. ويمكن قذف لمبات زجاجية تحتوى على الجراثيم على قضبان مترو الأنفاق ، أو قضبان السكك الحديدية. ويكفى أن يقوم أحد الوكلاء بمهمة نشر الجراثيم على أوسع نطاق إذ أن زجاجة صغيرة، بحجم زجاجة قطرة العين، يمكن أن تحمل أكداساَ من الجراثيم ، تكفى لإصابة مدينة صغيرة بالمرض والوباء .. فإذا ما تم تلويث مصدر الطعام أو مياه يستخدمها السكان، فسرعان ما يصاب البعض، ثم تنتقل العدوى فى صورة وباء إلى بقية السكان .

وقد يعتمد الهجوم الجرثومى على أساليب بسيطة للغاية، مثل وضع مسحوق الجراثيم فى رسائل ومظاريف، ترسل إلى أى مكان فى العالم عن طريق مكاتب البريد. ولقد رأينا كم أضفت حوادث رسائل الجمرة المفخخة فى الولايات المتحدة، مصداقية مخيفة على هذه الوسيلة إلى حد كبير .

جرثومة تتحدى الصعاب :

دعنا نردد كثيراً أن جرثومة الجمرة تعد بحق من أخبث جراثيم الحرب البيولوجية Biological Warfar ، والإرهاب البيولوجى Bio Terroriesm ، على حد سواء. ذاك أن معظم العوامل البيولوجية الأخرى ، ليس بوسعها احتمال الاضطرابات الناتجة عن نثرها فى الأجواء، أو تفجيرها فوق الأهداف المبتغاة كما أن الكثير منها لا يمكنه البقاء طويلاً على قيد الحياة، بسبب التخريب الذى يصيبها بفعل أشعة الشمس المحرقة، وتأثير الأشعة فوق البنفسجية. وهكذا فإن خطرها يتراجع عادة، بعد فترة وجيزة من إطلاقها أو نثرها. ولكن أبواغ الجمرة ، تبدو على خلاف ذلك تماماً .. فنظراً لصلابتها غير العادية، تستطيع أن تتحمل درجات حرارة تصل إلى 140 ° م لمدة ثلاث ساعات متواصلة . وإذن ، فإن عدداً كافياً منها يبقى حياً، متحملاً انفجار قنابله، ومقاوماً تأثير أشعة الشمس، وقادراً على القيام بمهمته الموكولة على أكمل وجه .

خطر بيئى يدوم طويلاً :

بإيجاز شديد ، فإن جرثومة الجمرة إذا أطلقت فى أى مكان، فإنها تظل قابعة فيه لعشرات السنين . وهكذا تظل البيئة فى الخطر المستمر نفسه، كالذى تتعرض له من الإشعاع الذى ينتج عن هجوم نووى، وفى هذا الضوء يمكن أن نتفهم مأساة جزيرة جروينارد، القريبة من الشواطئ الاسكتلندية. وهى الجزيرة التى شهدت - فى أوائل الأربعينيات من القرن العشرين - تجارب القوات البريطانية لإنتاج واختبار قنابل الجمرة البيولوجية. فقد ظلت الجزيرة ملوثة بالجراثيم ، حتى عام 1986 ، أى بعد حوالى أربعة عقود من تجاربهم . الأمر الذى جعلها غير صالحة للسكنى طوال هذه السنين . وقد اضطر خبراء البيئة الإنجليز - فيما بعد - إلى إغراق شواطئ الجزيرة بالفورمالدهيد ومياه البحر المالحة إلى عمق ستة بوصات ، أملاً فى القضاء على جراثيم الجمرة الصامدة .

وكذلك يمكننا الآن أن نتفهم ما قاله فى عام 1981 " ركس واطسون " مدير مؤسسة الدفاع الكيميائى والبيولوجى، من أنه لو ألقى الحلفاء على برلين، أثناء الحرب العالمية الثانية، قنابل تحمل جراثيم الجمرة، لبقيت هذه المدينة ملوثة حتى الآن .

كما يمكننا أن نتفهم دوافع الخوف من السكنى بقاعدة " فورت ديتريك " الأمريكية ، على مدى عدة عقود، وهى القاعدة التى كانت مسرحاً لبحوث هجومية بالجمرة، خلال عام 1969. فقد أظهرت اختبارات الخبراء، أن القاعدة ظلت ملوثة بالجراثيم، حتى عقد التسعينيات من القرن العشرين. ثمة تقرير صدر فى عام 1993، عن رئيس الشئون العامة بالقاعدة، يقول : " لقد سعت جهودنا الرامية إلى تحويل فورت ديتريك من مؤسسة عسكرية إلى مؤسسة مدنية، إلى تطهير المبنى رقم 470، وهو مبنى مكون من سبعة طوابق، تضم أجهزة كبيرة للتخمير ومعدات خاصة باستنبات جرثومة الجمرة ، كانت تجرى عليها التجارب فى عام 1969 .. "

ويمضى التقرير قدماً : " ولقد تبين بعد مضى سنوات طويلة، أن الجراثيم ما زالت تعشش فى أنحاء كثيرة بالمبنى، فهى فى شقوق الجدران، وفى الأرضيات، وهى تنتشر هنا وهناك .. ، ويعترف التقرير بأن الخبراء حاولوا مراراً وتكراراً تطهير المبنى من الجراثيم، ولكنهم أبداً لم يكونوا متأكدين من سلامة المبنى كاملاً ، وعلى نحو مأمون !!

إنها جرثومة الجمرة . وهذا بالضبط ما ينبغى أن نعلمه عنها .. فهى تظل قابعة فى البيئة لأمد طويل. ويمكن أن ترتفع مع الهواء خلال التفجيرات الأرضية، أو بفعل حركة السيارات التى تثير الأتربة والغبار، أو حتى بفعل أقدم الناس وهم يسيرون، أو بغير ذلك من مثيرات. وعندئذٍ، لن يحتاج الأمر إلى وقت كثير ، كى تصيب الناس بضرر عظيم .

خطــر يحصـد الأرواح :

إن هجوماً بالجمرة على السكان العزل لمدينة ما ، قد يتسبب فى قتل مئات الآلاف من البشر، يموتون سريعاَ بمرض كريه مؤلم للغاية. ذاك أن مدى الجراثيم قد يصل إلى عشرين كيلو متراً خلال ساعتين . وإذن ، فلو وجه الهجوم ضد مدينة عدد سكانها 2.5 مليون نسمة، تكون النتيجة الفورية : موت 160 ألف شخص، وإصابة 250 ألفاً آخرين بعاهات مستديمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
متوسطتي
Admin
متوسطتي


عدد المساهمات : 44
تاريخ التسجيل : 06/10/2009

الجمرة الخبيثة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجمرة الخبيثة   الجمرة الخبيثة I_icon_minitimeالسبت أكتوبر 17, 2009 11:51 pm

شكرا على هذا الموضوع
وبارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elaamal.ahlamontada.net
 
الجمرة الخبيثة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
متوسطة الشهيد الارقط الكيلاني :: التعليم المتوسط :: متوسطة الارقط الكيلاني :: علوم طبيعة وحياة-
انتقل الى: